الجمعة، 28 مايو 2010

حوار مع نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب أجرى الحوار مهندس سمير مرقس

حوار مع نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب
أجرى الحوار  م. سمير مرقس
فى يونيو من العام 1984، أى منذ 21 عاماً تقريباً، قمت بإجراء حوار مع نيافة الأنبا موسى حول رؤيته للشباب وواقعهم والتحديات التى تواجههم... وكنا مع آخرين نبدأ مع نيافته - بدعوة منه - الخدمة من خلال أسقفية الشباب. وخلال هذه الأعوام "جرت مياه كثيرة" كما يقولون، ومرت بالخدمة والكنيسة والوطن أحداث كثيرة ووقائع متنوعة ... كذلك – ولاشك – حدثت متغيرات مطردة على جميع الأصعدة طالت الواقع وفى القلب منه الشباب... ومن ثم كان هذا الحوار الذى حاولنا فيه مع نيافة الأنبا موسى الإقتراب من واقع الشباب... وتحدث سيدنا كما تحدث قبل عشرين عاماً بنفس المحبة والحيوية والصدق والإنفتاح والإطلاع... الروحانية الصادقة والبساطة... والوعى الصادق المدرك لنقاط القوة والضعف.. لا يجمل ويضع الأمور فى نصابها... وجدته مواكباً للمتغيرات، متابعاً لما طرأ على الشباب بدقة، يتفهم ظروفه... يقدم رؤيته فى صيغة لا خصومة فيها بين الإيمان والعقل، وبين المقدس والزمنى... يحلل ويفسر وينقد ويقدم تصوراته والمطلوب عمله... أصدقائى أدعوكم لقراءة هذا الحوار الهام...
سمير...
سمير مرقس : فى يونيو من عام 1984، أجريت حواراً مع نيافتكم حول "واقع الشباب" ورؤيتكم وتصوراتكم لهذا الواقع آنذاك، ولكن ماذا عن الآن أى بعد أكثر من عشرين عاماً؟... وربما تكون البداية أن تقوم نيافتكم برسم "خريطة أولية" لشباب اليوم من خلال أبعادها الروحية والفكرية والثقافية والإقتصادية؟

نيافة الأنبا موسى : طبعاً هناك تغيرات كثيرة جداً فقد بدأت مع الشباب منذ الستينات فى بنى سويف، ثم رسمت أسقفاً عاماً للشباب عام 1980... وبدأنا الخدمة فى ظروف صعبة أثناء وجود قداسة البابا فى الدير... وفى سنة 1985 بدأنا نعمل مؤتمرات للشباب... ولاشك على مدى هذه السنوات، يمكن رصد تغيرات جوهرية ومؤثرات عامة على الشباب، قارن مثلاً بين القنوات التلفزيونية والأثر الطاغى لثورة الإتصالات والمعلومات.

فاليوم هناكDISH (الأطباق الفضائية) والإنترنت، فتلك الشبكة بها حوالى 10 مليار موقع منهم 20 مليون موقعاً إباحياً. ثم هناك العولمة السياسية التى جعلت ما يحدث فى أوكرانيا نجده يتكرر فى لبنان وغيره، ويتعلموه الناس فى الشارع، فالشارع الآن هو الذى يحكم. ثم هناك الناحية المادية أو الإقتصادية لدول تزداد فقراً مثل مصر، وبطالة وأعداد مهولة من الأطفال والشباب... أفواه مفتوحة تحتاج لمن يطعمها... أيضاً من الناحية السياسية لعلنا نلاحظ الميل نحو صراع الحضارات وصراع الإصوليات... الأصولية المسيحية فى أمريكا، والإصولية الإسلامية، والأصولية اليهودية فى إسرائيل... كل هذا له انعكاسات – ولاشك - على واقعنا اليوم وعلينا هنا فى مصر.
  1.  وأيضاً غرف الدردشة "CHATTING ROOM" على شبكة الإنترنيت، أتاحت فرصة أمام الأولاد للتعرف على آخرين بدون حدود ولا سدود ولا قيود... يدخل الشاب على ال NET ويعمل CHATTING مع كل من على الأرض من أى دين أو عقيدة أو جنسية.
  2.  وأتصور أن الشباب اليوم يعيش فى صراع روحى، لأن الجسد رفع رأسه بقوة فى الMEDIA والNET والعلاقات اليومية، بالإضافة إلى التكدس السكانى والفقر... الخ. إنها "ثقافة الجسد" التى باتت تفرض نفسها، وهناك أيضاً "ثقافة المادة" فنتيجة لصعوبة الحصول على لقمة العيش، وبالتالى أيجاد سكن والرغبة فى الزواج... أصبحت المادة هنا لها تأثير كبير جداً.
  3.  وهناك "صراع الذات" بمعنى تربية الشباب على أن يأخذ قراره بنفسه، وهذا ليس سيئاً ولكن كيف يتوازن هذا مع سؤال الأكبر منه. هناك ضعف للمرجعيات بالنسبة للشباب، مرجعية الأسرة ومرجعية الكنيسة ومرجعية المدرسة ... بل لقد أصبحت المدرسة مرجع سلبى.. بالإضافة إلى مرجعية المجتمع والإعلام والكمبيوتر. وأصبح مثلاً مرجع الصديق أكبر من مرجع البيت والكنيسة.
  4. هناك "زحمة" من الصراعات تواجه الشباب: الصراعات الروحية - الثقافية - الوجدانية - الجسدية - المادية. فهو يختار بنفسه من يحبهم ومن لا يحبهم، يختار بنفسه بدون مرجعية، صراعات جسدية (جنسية)، ومادية (فلوس) واجتماعية.
  5. وربما أشير أيضاً إلى أن العلاقة مع الآخر فى مجتمعنا قد أصابها شرخ أو توتر، ربما بسبب حرب العراق وما يحدث فى فلسطين، يعاملنا البعض كما لو كنا فى ذيل أمريكا، لأننا مسيحيين مثلهم، خاصة بعدما قال بوش كلمته الخطيرة "إنها حرب صليبية" ... كل هذا لم يكن موجوداً فى الماضى.
  6.  يضاف أيضاً انشغال الشباب فى مرحلة ثانوى، بالحصول على مجموع، من خلال مدرسة لا تقدم له شيئاً تقريباً، حيث توجد مدرسة موازية تقدم له التدريس وهى فصول التقوية أو الدروس الخصوصية، من أين له الوقت ليستذكر دروسه، أو يمارس الأنشطة والهوايات، أو حتى ممارسة الدين فى الكنيسة... نجد هنا "معاناة" لجذب الشباب للكنيسة... هناك نقط مفقودة كثيرة جداً فى حياة الشباب، وأصبحت الكنيسة فى حاجة إلى قوة كبيرة جداً، لكى تقف أمام كل هذا ولجذب الشباب إليها.
  7. المادة الإعلامية التى تقدم فى التلفزيون وما يحتويه الNET وCHAT ROOM التى تهاجم الإيمان المسيحى بل وبقية الإيمانات.. جعلت الشباب فى صراع، لم يكن هذا موجوداً فى الماضى، ذروة ما كان يحدث أن يصدر كتاب لأحمد ديدات مثلاً، وكان من السهل التعامل مع هذه الكتب، ولكن اليوم ومن خلال ال NET يجد الشاب نفسه فى بحر متلاطم، فكل دين يشده لنفسه، وأصبحت الخدمة أكثر صعوبة ومحتاجة إلى تطوير هائل، لكى تجذب إليها الشباب عقلاً وإرادة.

سمير مرقس : يعنى هذا أن إيقاع التغير أصبح سريعاً، وبشكل غير طبيعى... لقد كنا نتحدث عن القرية الكونية فصرنا نقول الغرفة الكونية..

نيافة الأنبا موسى :بل لنقل ركن الغرفة الكونية، يضع الشاب دماغه داخل الNET وبات من الصعوبة أن تخرج مرة أخرى، وأصبح الشاب بالتالى فى عالم آخر، صاحب قراره يقابل من يقابل، ويختار الصديق بلامرجعية.

سمير مرقس : ولكن ماذا عن تأثير كل هذا على طبيعة العلاقة بين الشباب ودوائر الإنتماء التى يتحرك فيها، والتى حدثتنا عنها نيافتكم كثيراً؟

نيافة الأنبا موسى : دعنا نأخذ هذه الإنتماءات بالترتيب:

1- الإنتماء الأول هو الأسرة : بسبب رياح الحرية أصبح الشاب يتصور أن الكبار هم (دقة قديمة)، ولا يتوقع منهم أبداً أن يعطوه رأياً سديداً، وفقد الكبار مرجعيتهم بالنسبة للأولاد. كم غابت لغة الحوار، وهذا ساعد على تفاقم المشكلة، لأن الشاب لا يريد أن يتحاور، هو بالفعل (وأخد قراراته)... وانشغالات العصر جعلت الكبار مشغولين وليس لديهم أى وقت، وهذا خلق أزمة فى الأسرة، حيث لا يوجد من يسمع الشباب حينما يريد الشاب أن يتكلم، ومن جهة أخرى، إذا تكلم الشاب  لا يريد أن يسمع. فالشاب يقول لك اسمعنى وحينما تقول له رأياً يرفضه لأن عنده مسلمات تخصه.
بالإضافة إلى أن الأسرة تنؤ بأعباء كثيرة ولا تعطى له كل ما يريده، وهناك الفوارق الطبقية الهائلة التى حدثت فى مصر فهو (الشاب) يحسد الأغنياء حتى ولو كانوا "تجار مخدرات"... وإهتزت قيمة التعليم وقيمة العطاء والعقل أمام تطورات الجسد والحياة.

+ بالنسبة للإنتماء الثانى الكنيسة :الأعداد أصبحت كبيرة جداً، ونوعية المشكلات أصبحت معقدة، وتكوين الفرد من الحضانة إلى ان يكبر أصبحت تتدخل فيها عوامل لا حصر لها ... وربما لأن الكنيسة لا تتبنى روح الحوار "أى أن تأخذ وتعطى مع الشاب"، وأصبحت كثير من الأمور الحياتية والنسبية لديها وكأنها مسلمات. كذلك أصبحت الفروق الدينية والفروق العقيدية لا قيمة لها عند الشباب. وعليه أصبحت الكنيسة تتصارع حتى تثبت العقيدة والإيمان عندهم.

أيضاً إنشغال الخدام "انشغال مر" بلقمة العيش جعلهم لا يستطيعون تقديم الخدمة الجيدة.. العبء كبير كماً وكيفاً... هناك حاجة إلى تكوين حقيقى، لمن يستطيع أن يحتوى الأجيال الجديدة... كذلك انشغال الخادم بنفسه وبيته ولقمته، كل هذه الظروف جعلته لا يكون عنده روح الأبوة التى يشعر بها الشباب ويحتاجها، ويشعرون معها أن هناك صدوراً حانية تحتويهم، لو عندهم "سؤال أو مشكلة عاطفة" مثلاً... الأداء الكنسى طبعاً أقل جداً مما يجب... أضيف إلى ذلك إعتقاد الشاب بأن الكنيسة مؤسسة متشنجة، ومؤسسة رجعية تعيشنا فى الماضى، ومؤسسة تراثية (تريدنا نعود لأيام القديسين) والدينا ليست هكذا، وإنها مؤسسة تسلطية (عايزانا نمشى زى ما هى عايزة)...
لقد أصبح نقد الكنيسة أمراً سهلاً، وهو أمر لم يكن موجوداً فى الماضى، كان الكاهن موقر جداً ومقدس، ولكن الشاب الآن (يدوس) على الكل، وبعد هذه الهالة القدسية و"التابو" (محرم الإقتراب منه) شاهدوا كهنة فى خطايا فادحة وفاضحة، بالرغم من شلحهم، لكن هذا سبب إهتزاز فى وجدان الشاب، وصار يعتقد بما يلى:

+ "كن ذاتك" ولا تجعل أحد أمامك لتسير ورائه، وهذا أضعف من روح الكنيسة.

الإنتماء الثالث: المجتمع :
1- أهم ما يميز مجتمع اليوم تلك الفروق الطبقية الكبيرة، والمستفزة للفقراء الذين صاروا هم الغالبية من السكان.
2- الإنفجار السكانى، حيث صعوبات التوظيف وإيجاد عمل، والسكن وأمور الزواج.
3- التوتر الطائفى، بسبب ظروف العصر وما يسمى بصراع الحضارات، والعودة إلى الخصوصيات ودوائر الإنتماء الضيقة.
4- الإعلام، لا أقول أنه بات جريئاً، ولكنه موجه سياسياً ودينياً إلى جانب تلك المواقع الإباحية... دور المجتمع أصبح يحتاج إلى وقفة... كيف أسلك وأنا أرى أمامى كل هذا من فروق طبقية وانفجار سكانى وتوتر طائفى وبطالة وإعلام...؟

سمير مرقس :أريد أن أطرح سؤالاً حول مجموعة أو منظومة المفاهيم الروحية... أين موقعها ؟ يعنى مثلاً فكرة الجهاد الروحى والسلام الداخلى، الفرز والتميز، الفضائل... كل هذه المفاهيم من المفروض أنها قاعدة أساسية فى البناء الروحى ولاغنى عنها كيف نقدمها فى هذا السياق المعقد؟

نيافة الأنبا موسى : هناك مقولة تقول "الإنسان لا يعرف إلا ما يريد ولا يعمل إلا ما يحب" إلى هنا هذه حقيقة لكنها خطيرة جداً. فهو لا يعرف إلا ما يريد، واليوم هو لا يريد أن يعرف هذا الكلام، فهو لا يريد أن يعرف أن الحياة مع المسيح أحسن جداً له روحياً وجسدياً وأبدياً.
كيف يقتنع؟ لابد هنا من الحوار والعلمية والإقناع أو نقول الاقتناع الذاتى... فإن لم يتوفر ما سبق لن نصل إلى ما نصبو إليه.
هو بالفعل عنده مسلمات لكنه لا يعرف كيف يصل؟ هو الآن يعانى من ضغوط جسدية، وذاتية، واجتماعية، ومادية، فيتعامل مع كل هذه الأمور بطريقته، ويعتبر الدين أو الإيمان، وكأنه طرف خارجى.

أمس كنت مع شباب ثانوى، وكل الأسئلة كانت تصب فى الإتجاه العاطفى والجنسى، والدين لا يحظى بالإهتمام الكافى من قبل الشباب.. مثلاً كان هناك حوار حول العلاقات بين الجنسين من نفس الدين وإننا نقول لكم كلام ونقول غيره فى أمريكا وبخاصة ما أصطلح على تسميته بـ:
العلاقات مع آخرين من نفس الدين "boyfriend" "girlfriend"، قلت لهم ان ما نقوله هنا نقوله هناك فالمبدأ واحد إن ثقافة gilrlfriend أوboy friend ثقافة خطأ، وخطيرة جداً، ومضرة.. أنها ثقافة تعلى من قيمة الجسد والحسيات وتسيطر عليها كثير من الأوهام.

1- الوهم الأول أنه من خلال هذه العلاقات يمكن معرفة من هو شريك حياتك المناسب.. فشريك الحياة المناسب تتم معرفته فى هذه الحالة من خلال "الجسد" وليس "الشخصية" ونفسية وبدون زواج، وينتهى سريعاً لأن العلاقة كانت على مستوى الجسد فقط دون غيره من مستويات روحية ونفسية...
2- الوهم الذى يقول: أنه لكى تكون إنساناً طبيعياً، لابد وأن تمارس الجنس من سن صغير.. وهذا خطر فالإحصائيات تقول أن الأولاد والبنات فى أمريكا من سن 15 إلى 18 سنة يغيروا بعض 12 مرة على الأقل، ما يعنى أن يصبح الشاب مدمناً، بات مريضاً ويحتاج إلى علاج.. وتدعم هذه الأفكار المواقع الإباحية على ال net (حوالى 2 مليون موقع من 10 مليار).
3- الوهم الثالث؛ يقولون أن ممارسة الجنس قبل الزواج ليست خطيئة، ولكن الخطيئة هى فعل ذلك بعد الزواج.. وهذا خطر لأن الولد أو البنت بعد الزواج، لن يشبع من زوجته (أو زوجها)، ولن يرضى الواحد منهم بزوج واحد.. لذلك فهم يطلقوا بعض كثيراً وكأنهم ألغوا الزواج والقيم.. إلخ. وللأسف إنها ثقافة سائدة فى الغرب، بل لقد ألغوا أيضاً قيمة الزواج والعطاء المتبادل القائم على المحبة بين الزوجين.

فإن لم يكن أولادنا مقتنعون بأن الدين احتياج وعلاج، سيكون الشباب هنا مدمنين ومرضى.

والحل هو أن:
1- يقتنع، 2- يختبر، 3- يثبت فى الإيمان، 4- يستمر.
هناك فكرة علمية معروفة، تقول أن الإنسان قبل 20 سنة تكون نظرته للجنس الآخر غيرية عامة، وما أن يتجاوز ال20 سنة تكون أحادية، وهى معروفة باسم "نظرية الجنسية الغيرية العامة والجنسية الغيرية الأحادية".

فمن سن 13 سنة يكون نداء الجنس قوى جداً، وهكذا نداء العاطفة فإن لم يجد عاطفة الأسرة يلجأ إلى الآخر فى الجنس. الشباب هنا فى حاجة إلى reeducation وإعادة تربية، هناك حاجة ماسة إلى ما يعرف "بعائلة بديلة" يجدها فى الخادم والخادمة وأبونا يكمل النقص. فالأسرة تركت شبابها للتليفزيون وال net، ونحن علينا إعادة تشكيلهم مرة أخرى، بهدف أن نصل بهم إلى "الإقتناع الذهنى" بالحاجة إلى المسيح والدين..

سمير مرقس  : بمنهج "التكوين" وليس "التلقين"الذى طالما دعيتم إليه نيافتكم..

 
نيافة الأنبا موسى :نعم "يقتنع" ثم "يختبر" ثم "يمارس" و "يستمر".. اليوم الشباب عندهم الجرأة لأن يقبلوا ويرفضوا.. يعبرون عن ما بداخلهم بصور عدة: بالإعتراض، الاحتجاج، والنفاش غير اللين، ونحن نحاول معهم..

سمير مرقس  : أود أن أناقش مع نيافتكم قضية أتصورها هامة تخص المفاهيم الإيمانية الأساسية التى إلى نعلمها للشباب ويصطدم بما يناقضها فى حياته اليومية - فعلى سبيل المثال. "حياة الشركة" تواجه بالفردية "البنوية لله"، تواجه بالعبودية لآلهة أخرى مثل المال، والجسد، "الطموح المبارك" نجده يصبح طمعاً شرهاً ماذا يفعل الشباب، كيف يمارس ما نعلمه إياه من دون اضطراب؟.

نيافة الأنبا موسى : لنأخذ كل مفهوم بالترتيب..

الشركة فى مواجهة الفردية:
طبعاً التربية الكنسية الصحيحة تقوم على الجماعية، أى أنه عضو فى جسد واحد حوله مؤمنين، وفى السماء قديسين، وفوق منهم ربنا.. لو تربى الشاب بهذا الأسلوب الجماعى، سيسلك به فى بيته، ومع أولاده، وأسرته، وسيصارع ضد التيار كسمكة حية وليس كحوت ميت. سيسلك بالصراع لو عاش حقيقة أنه عضو فى جسد وله انتماءات: للكنيسة والمسيحية، ومصر وللإنسان عموماً، بلا تعب بل بفرح.
من المهم هنا "التربية العضوية" منذ الصغر، والتى تعنى أننى "عضو" وليس "فرداً"، فأحتمل أخى وأقبل الآخر، لأنه سيقبلنى رغم كل عيوبى، هى عملية تربوية، حيث يكون قادراً، متى خرج إلى المجتمع، أن يصارع ضد السلبيات، لكى يقدم النموذج النقى، بل ويكون كارزاً لهذا الفكر، ليس بالضرورة بالطريقة الدينية، ولكن بطريقة فكرية جماعية. لا يكون تابعاً لأحد، أو لفكر باطل قائداً، هناك مقولة تقول:
(كن قائداً وليس متبوعاً)، وأخرى تقول (تجاسر أن تكون مختلفاً..)، صفوة القول لا ينبغى أن أعزل الشاب عن المجتمع، ولا أضعه فى صومعة، فالمسيحية جميلة ولديها 3 مبادئ للعلاقة مع العالم:
1- لستم من العالم : لأن ابن الله له طريقة تفكير أخرى، وطبيعة أخرى واهتمامات أخرى،..

2- لا تحبوا العالم :والمقصود هنا هو مقتنيات العالم، أى الأشياء التى فى العالم.

3- أرسلتكم إلى العالم : كيف نكون ضمير هذه المجتمعات، ونور للذين يعيشون فى الظلمة والخطية... إنها الإرسالية المباركة. فلا يكون الشاب هنا مرعوباً من المجتمع، بل عنده ثقة فى نفسه ومرشداً للآخرين... فلا يرفض فقط أن يشرب "الشيشة" ويتعلل بحجج كثيرة.. بل يرشدهم (من يمارس ذلك) ويقول لهم: أنها على المستويين المادى والصحى، تحمل ضرراً بالغاً، هذا أفضل من الهروب وهذا ما يميز أولاد الله.. إنها الإرسالية والدور..
العالم يمشى وراء الجسد والغريزة، وليس العقل والروح، الذين يميزان الإنسان. وبالتالى تخضع العلاقات للجسد والغريزة، ولكن على الإنسان المسيحى أن يكون قائداً لا تابعاً.

البنوية فى مواجهة العبودية :

على الشاب أن يسعد ببنوته لله، فيحسب المنهج الرياضى الحسابى؛ فى يقين أن "اللانهائية" تجعل كل المحدودات بلا قيمة؛ لننظر إلى المعادلة التالية: "مالا نهاية + 10 = مالا نهاية - 10".

المحدودات تزيد أو تنقص لا قيمة لها.

وفكرياً؛ فإن جوع الإنسانى اللانهائى، لن يشبعه إلا الله اللانهائى. الإشباع اللانهائى يتحقق بالإيمان بالمسيح، ويكون الإنسان سعيداً ومرتاحاً، وليس مهموماً بأى هم من هموم العصر.

والطموح فى مواجهة الطمع :

أتصور أن كلمة طموح فيها شبهة ذات، لنقل "استثمار الوزنات" لسعادتى، وسعادة أسرتى ومجتمعى والبشرية كلها. فأنا أستثمر الوزنات التى أعطاها لى الله، سواء كانت وزنة مادية أو علمية أو تبشيرية.. الشطارة أن لا يتحول استثمار الوزنة إلى نوع من سيطرة الذات. فمغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ، وهذا ليس وعظاً بل حقيقة.. الإنسان الذى يأخذ دائماً هو دائماً جوعان، والإنسان الذى يعطى دائماً هو دائماً شبعان، فالبئر الذى تعطى مياهها جارية وجديدة ومتجددة، والبئر الذى لا يعطى مياهه راكدة.

الذات هى أكبر قوة خانقة للإنسان ولكن العطاء أكبر قوة تسعد الإنسان.
هذا ليس وعظاً ولكنها حقائق، لن يرسم ابتسامة على شفتين أو يعود مريضاً أو يخفف من المتألمين ويجعلهم سعداء.. أن نصل للسعادة بإسعاد الآخرين.

ثقافة الأخذ هذه لابد من محاربتها بثقافة العطاء، والقدرة على العطاء للمتدينون تديناً سليماً، هم الذين كلما أعطوا سعدوا أكثر.

سمير مرقس  : ما هى أهم الملامح المطلوبة فى خدمة الشباب الآن؟
نيافة الأنبا موسى :   1- الإقتناع؛ 2- الإختبار؛ 3- الممارسة، 4- الإستمرار.

أولاً: بالنسبة الإقتناع : علينا أن نقتنع الشاب ذاتياً، ليس بالقمع بل بالفكر.
أناقشه فى أفكاره واعتراضاته... فالحوار المطلوب هنا الحوار الهادئ المفتوح الصبور، الحوار المستمر مع الشباب مطلوب للتعرف عليه: ما هى اعتراضاته، ونواحى الرفض، والتشككات، والقناعات، والطاقات والمواهب التى تميزه، فالمهم هو "التربية الحوارية".

ثانياً: بالنسبة للإختبار :
أن أقتنع الشباب وفهموا ما أقوله له سوف يطلب أن يجرب ويذوق، نقف معاً مثلاً نصلى ونرتل ونشبع، فمع الإختبار يشعر بأنه يتذوق أمراً جميلاً ورائعاً. ويعرف بنفسه هذه الحقيقة.

ثالثاً: بالنسبة للممارسة: بمعنى أن نهيئ للشباب الفرص المختلفة للممارسة.

رابعاً: بالنسبة للإستمرار : بسبب وجود قوى جذب خارجية منها: الجسد والشيطان والعالم.. يبرز السؤال كيف يستمر على الرغم من هؤلاء الأعداء؟ لابد هنا أن يكون واثقاً فى مسيحه القوى... إلهه القوى غير المحدود الذى يساعده فى صراعه. لو أقنعته وحاورته، وجعلته يجرب ويذوق فإنه سوف يستمر فى هذا الطريق.
لابد إذن من أحداث تغيير فى أسلوب الخدمة، من خلال الإهتمام بالحوار مع الشباب، والتغيير فى أنشطتنا كى نجعلهم يذوقوا "حلاوة" كنيستنا.

سمير مرقس  : فى اللحظة الحالية لو طلبت من نيافتكم أن تغمض عينيك للحظات وتفكر فى ماهية الشاب الذى تحلمون به.. ما هى ملامحه.. سماته فى ضوء ما قمتم به نيافتكم من رصد لواقع الشاب، ولأهم ما طرأ عليه من متغيرات؟

نيافة الأنبا موسى :دعنا نتحدث عن رؤيتنا التى طالما طرحناها ولا تزال عناصرها كما يلى: "شاب مسيحى أرثوذكسى مصرى معاصر كارز متفاعل مع المجتمع".
أولاً: مسيحى : أى يعرف المسيح فكرياً، ويشبع به وجدانياً، ويتحد به كيانياً.

ثانياً: أرثوذكسى : يعرف الأرثوذكسية فكرياً، ويمارسها حياتياً، فيذوق حلاوة الإعتراف والتناول.. إلخ.

ثالثاً: مصرى : يعتز هنا بقبطيته، فكنيستنا لها دور كبير فى تقديم معنى الإنتماء الوطنى، ويعتز بمصريته وبحضارته المصرية، ولا ينفى ذلك الإنتماء الإقليمى.

رابعاً: مجتمعى : يتفاعل مع المجتمع، حيث يتسم بالمرونة القوية، يدعم الصواب ولا يوافق على الخطأ.

خامساً: معاصر : لا يتخلف عن العصر، مع اهتمامه بالتراث، فهو بالتراث يعاصر الجديد، له جذور وساق.. يكون معاصر وشبعان بالتراث. والحمد لله المسيحية ليس عندها شريعة ذات طابع حرفى "فكل الأشياء تحل لى وكل الأشياء توافق ولكن لا يتسلط على شئ" (1كو 12:6).

سادساً: كارز : خادم داخل الكنيسة، ومجالات الخدمة لا حصر لها، ويكون شاهد لنا فى المجتمع بنشر المحبة والخير والسلام بطريقة سليمة لا يتخلى فيها عن مبدأ.والقدرة على ذلك:

المهم هو كيف يؤصل إيمانياً رغم التشكيكات الكثيرة، فالمهم هنا هو كلمة (كيف)؟

كيف ينتمى مصرياً وكنسياً وعقيدياً ويكون كارزاً ومتفاعلاً؟!

سنعود هنا إلى رباعية:  "الإقتناع، الإختبار، الممارسة، الإستمرار".

سمير مرقس  : ماذا عن المتغيرات السياسية والإجتماعية، ومن ثم شبابنا ودورهم فى المجتمع المصرى؟! ففى إحصائية أخيرة تذكر أن مشاركة الشباب فى مصر، لا تزيد عن 7 أو 8% رغم شبابية مصر، بمعنى أن أكثر من ثلث السكان ينتمون إلى مرحلة الشباب؟!
 
نيافة الأنبا موسى :
بداية إنها ظاهرة عامة بسبب ثقافة الغرب وهى ثقافة فردية، يمكن تسميتها "بثقافة الأنا" "the meculture" أما بالنسبة للشباب القبطى، فنحن كأقلية عددية فى مصر، والبعض يرددون أننا مواطنون من الدرجة الثانية.. تؤثر سلباً على إستجابة الشباب وتجعله يقول: "مفيش فايدة" كما قال سعد زغلول... فهذه ثقافة منتشرة فى مصر عامة كمصريين وبالذات كأقباط، بالإضافة للإحساس بعدم جدوى المشاركة لبطء التغيير وهذا يجلب إحساساً باليأس المسبق. ولكن..

لم لا نذوق تجربة دخولنا الإنتخابات وأن تنجح س بدلاً من ص؟!

علينا أن نشجع شبابنا على الدخول والممارسة، ودائماً أقول: (صَوتوا يا تصوَّتوا). لأنه لو سكتنا يبقى خلاص..

ولكنى أعتقد أن هناك تحسن، ساعة ما بدأنا فى مصر، كانت بداية ضيقة جداً فى مجال الثقافة، عملنا مجموعة التنمية الثقافية، ثم المشاركة الوطنية ثم التنمية الأقتصادية وتعاوننا مع جهاز تشغيل الشباب، ودعينا متكلمين مسلمين وتحاورنا مع كل التيارات، واحد وشجعنا الشباب على أن يسجلوا أنفسهم فى كشوف الإنتخابات، وأن ينفتحوا على المجتمع.
وأعتقد أنه كلما تقدمت مصر فى طريق الديمقراطية بشكل عام، كلما ازدادت مشاركة الأقباط، وأنا "مستبشر خير" فعلاً... لأن هذا هو قانون التطور.

ليست هناك تعليقات: